بشارة العارفين الدكتور مولاي منير القادري البودشيشي
شخصية جمعت بين التجربة الروحية العميقة والوعي الحضاري الواسع، نشأ في بيئة صوفية أصيلة ترتكز على التربية القلبية والتزكية، وفي الوقت نفسه عاش وأقام في أوروبا سنوات، مما منحه معرفة دقيقة بثقافتها، ونظرتها للإنسان والعالم، وأنماط التفكير الحديثة فيها. هذا الاحتكاك المباشر مكّنه من استيعاب التحولات الاجتماعية والمعرفية التي تعيشها المجتمعات المعاصرة، وبخاصة العلاقة المعقدة بين المادي والروحي، وبين البحث عن المعنى وضغوط الحياة الحديثة.
من خلال هذه التجربة المزدوجة، قدّم مولاي منير القادري البودشيشي رؤية تجديدية للتصوف؛ رؤية لا تفصل بين الروح والحياة، ولا ترى التصوف انسحابًا من الكون، بل حضورًا راقيًا فيه. فهو يعتبر أن التصوف الأصيل هو مشروع إنساني شامل، يهدف إلى إعادة التوازن بين الداخل والخارج، بين الجسد والروح، وبين المعرفة والسلوك. فالحقيقة بالنسبة إليه ليست مفصولة عن الواقع، بل تتجلى من خلاله، والسمو الروحي لا يتحقق بالانعزال بل بالانفتاح الواعي والفاعل.
بفضل اطلاعه على الفكر الأوروبي الحديث، وفلسفاته، وعلوم الإنسان، استطاع أن يقدّم خطابًا صوفيًا يستجيب لأسئلة الشباب المعاصر، بلغتهم وواقعهم، دون أن يفرط في ثوابت السلوك الروحي أو يفرغ التجربة الصوفية من عمقها. فالتجديد عنده ليس خروجا عن الأصل، بل هو إحياء للأصل في ضوء مستجدات العصر. لذلك كان يدعو دائمًا إلى تصوف يفتح أبواب الحوار، ويبني جسور المعرفة، ويعيد الإنسان إلى قلبه دون أن يخرجه من دوره الحضاري.
لقد أصبح مولاي منير القادري البودشيشي نموذجًا لهذا اللقاء الخلّاق بين الشرق والغرب، بين التراث الحي والحداثة الواعية. فهو يجسد فكرة أن السلام الروحي ليس حالة شخصية فقط، بل أساس سلام إنساني مشترك، وأنّ التصوف يمكن أن يكون لغة قرب بين الشعوب، وفضاءً للتفاهم، ومسارًا يعيد للإنسان إنسانيته في زمن تتزاحم فيه الضغوط وتضيع فيه البوصلة.
إن تجربته تؤكد أن العالم المعاصر لا يحتاج إلى مزيد من الصراع، بل إلى مزيد من الصفاء والفهم؛ وأنّ التصوف، حين يُفهم في سياقه الحقيقي، قادر على أن يكون دعوة عالمية للحب والسلام، وتوازن الروح والجسد، والعيش المشترك بين البشر.
المسار الأكاديمي:
• الإجازة في الدراسات الإسلامية – كلية الآداب، وجدة، 1994
• الإجازة في العلوم الاقتصادية – كلية العلوم، وجدة، 1995
• خريج دار الحديث الحسنية بالرباط – سنة 1996
• دبلوم في العلوم الاقتصادية وتسيير المقاولات – جامعة كرونوبل، فرنسا، 1999
• دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في الأنتروبولوجيا السوسيولوجية – حول المجتمعات المغاربية المعاصرة، سنة 1999
• ماجستير في الذكاء الاقتصادي
• دكتوراه في العلوم الإنسانية – دار الحديث الحسنية
• دكتوراه في علوم الأديان وأنظمة التفكير – جامعة السوربون (EPHE)
• دكتوراه في الدراسات الصوفية – جامعة السوربون، عن أطروحة علمية تناولت “قوت القلوب” للإمام أبي طالب المكي، بإشراف البروفيسور Pierre Lory
• دبلوم معهد أوروبا – المغارب، باريس، سنة 2001
المهام العلمية والإشعاع الفكري:
• مدير مركز الدراسات الأورو-متوسطية حول الإسلام اليوم (CEMEIA) – باريس
• أستاذ المالية الإسلامية – جامعة دوفين، فرنسا
• رئيس الملتقى العالمي للتصوف – مذاغ، إقليم بركان
• عضو المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة – بروكسيل
• رئيس لجنة الرقابة الشرعية – المجلس الأوروبي المستقل للمالية الإسلامية
• رئيس جمعية “ورش” لتحفيظ القرآن الكريم وتعليم علومه – بركان
• باحث في التصوف والتواصل – المدرسة التطبيقية للدراسات العليا بجامعة السوربون sorbonne université

